ثقافة إسلامية

هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء ؟

تعتبر العشر أيام الأولى من ذي الحجة من الأيام المميزة التي تمر علينا في السنة لأن العمل الصالح فيها أحب إلى الله سبحانه وتعالى من باقي أيام السنة

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا ولا الجهاد في سبيل الله؟!! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء” أخرجه البخاري

ومن بين الأعمال الصالحة التي يستحب القيام بها هو صيام العشر من ذي الحجة، ولكن بعض الأشخاص قد يكون عليهم بعض أيام القضاء من رمضان فهل يجوز لهم صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟

قائمة مواضيع المقالة فتح القائمة

جوانب يجب توضيحها بشأن أنواع الصيام:

أولاً: صيام القضاء

يعتبر صيام القضاء من رمضان صيام واجب حيث أن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام ويعتبر دين على الإنسان يجب أن يؤديه ولا يسقط صيامه عن الانسان

ثانياً: صيام العشر من ذي الحجة

يعتبر صيام العشر من ذي الحجة نافلة يعني أنه صيام تطوع يمكن أن يفعله الشخص أو يتركه وهو ليس مطلوب منه ولكن مستحب القيام به للحصول على الأجر تماماً مثل صلاة السنة التي تصلى قبل وبعد الصلوات المفروضة.. فصلاة السنة تجبر ما حدث من خلل في الصلوات المفروضة وتزيد أجر الإنسان وهي بمثابة التقرب من الله سبحانه وتعالى

هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟

انقسم رأي العلماء بشأن هذا الأمر إلى ثلاث آراء:

الرأي الأول:

الحكم: يحرم صيام أيام التطوع قبل صيام قضاء رمضان

المذاهب التي تؤيد هذا الرأي: مذهب الحنابلة وفي رواية في مذهب أحمد

الأدلة التي استند عليها هذا الرأي هي:

الدليل الأول:

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر ))

ماذا يوضح هذا الدليل؟

وضح الحديث الكريم أن الإنسان يحصل على أجر صيام ستة من شوال بعد إكماله صيام رمضان.

والقاعدة تقول: الحكم إذا عُـلـق بشرط فلا يوجد إلا مع وجود هذا الشرط.

يعني: شرط الحصول على أجر صيام الستة من شوال متعلق بإنهاء صيام رمضان وطالما لم يقوم الشخص بتحقيق هذا الشرط (يعني صيام رمضان كامل) لن يحصل على أجر صيام ستة من شوال

الدليل الثاني:

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (( أن امرأة من جهينة، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال:(( نعم حجي عنها؛ أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية؟ اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء ))

ماذا يوضح هذا الدليل؟

يوضح هذا الدليل أن القيام بالعبادات المفروضة على الإنسان يعتبر دين ويجب على الإنسان قضاء ما عليه من دين ويحرم مخالفة ذلك.

الدليل الثالث:

عن عثمان بن موهب قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه وسأله رجل، فقال: إن علي رمضان، وأنا أريد أن أتطوع في العشر.

قال: (( لا، بل ابدأ بحق الله فاقضه، ثم تطوع بعد ما شئت ))

ماذا يوضح هذا الدليل؟

يوضح هذا الدليل أن الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أمر الرجل الذي يريد صيام التطوع أولاً بأن يؤدي حق الله من صيام القضاء من رمضان ولو كان يجوز له فعل ذلك لم يكن ينهاه عن فعل ذلك.

الرأي الثاني:

الحكم هو: صيام أيام التطوع قبل قضاء أيام رمضان مكروه

المذاهب التي تؤيد هذا الرأي: يستند هذا الرأي على قول المالكية وبعض المتأخرين من الشافعية وبعض المتقدمين منهم.

الأسباب التي استند عليها هذا الحكم:

السبب الأول:

عند صيام التطوع سيتم تأخير الصيام الواجب وهذا لا يصح لأن الواجب يجب أن يقدم

السبب الثاني:

أداء الفرض مقدم على أداء التطوع ويعتبر الفرض أهم من التطوع لذلك من المكروه الانشغال بالتطوع قبل أداء الفرض.

الرأي الثالث:

الحكم هو: يجوز صيام أيام التطوع قبل صيام أيام القضاء من رمضان

المذاهب التي تؤيد هذا الرأي: يستند هذا الرأي على مذهب الحنفية وجماعة من الشافعية المتأخرين

الأدلة التي استند عليها هذا الرأي هي:

الدليل الأول:

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان يكون علي الصوم من رمضان ، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان))

ماذا يوضح هذا الدليل؟

كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقضي ما عليها من صيام رمضان في شهر شعبان كما هو واضح في الحديث وبالطبع خلال هذه المدة تأتي العديد من أيام التطوع مثل أيام ستة من شوال والعشرة من ذي الحجة وأيام عاشوراء ويومي الإثنين والخميس من كل أسبوع والثلاث أيام البيض من كل شهر.

ولأن السيدة عائشة رضي الله عنها من خيرة نساء العالمين وأكثر حرصاُ على طاعة الله سبحانه وتعالى وتجتهد في العبادات فمن المتوقع أنها كانت تصوم هذه الأيام من التطوع برغم أنها لم تصوم أيام القضاء التي عليها. لذلك فإن هذا الحديث يؤيد جواز صيام أيام التطوع قبل صيام أيام القضاء.

الدليل الثاني:

قال الله تعالى: ﴿ فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ﴾﴿ البقرة:184 ﴾

ماذا يوضح هذا الدليل؟

توضح هذه الآية الكريمة أن قضاء رمضان يعتبر (واجب موسع) وتقول القاعدة بأنه: يجوز الاشتغال بالتطوع من جنس هذا الواجب قبل الاشتغال به

يعني: يجوز صيام أيام التطوع قبل صيام أيام الفرض لأن أيام الفرض تعتبر واجب موسع (يعني يوجد مرونة في القيام بهذا الأمر)

وأجمع العلماء بأن قضاء شهر رمضان يعتبر واجب موسع.

حيث قال ابن بطال في شرح البخاري: (وأجمع أهل العلم على أن من قضى ما عليه من رمضان في شعبان بعده، أنه مؤد لفرضه، غير مفرط)

رأي العلماء والفقهاء في حكم صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء:

يوجد اختلاف بين العلماء في آرائهم بالنسبة لحكم صيام التطوع قبل القضاء.

القول الأول:

لا يصح التطوع قبل القضاء ومن فعل ذلك يأثم

العلة أو السبب الذي يستند عليه هذا الحكم: النافلة لا تؤدى قبل الفريضة

القول الثاني:

يجوز صيام التطوع قبل صيام القضاء ما لم يضيق الوقت. حيث قالوا بأنه طالما أن الوقت موسعاً بين انتهاء رمضان وبداية رمضان التالي فيجوز التنفل خلال هذا الوقت، تماماً كما نقوم بآداء النوافل من الصلوات قبل الصلاة المفروضة. فمثلاً يجوز تأخير الصلاة المفروضة إلى آخر وقتها وخلال هذه المدة من التأخير يجوز القيام بالصلوات النافلة لأن الوقت موسع.

ويعتبر هذا القول هو قول جمهور الفقهاء. واختار الشيخ بن عثيمين هذا القول وقال: 

“وهذا القول أظهر، وأقرب إلى الصواب، وأن صومه صحيح، ولا يأثم، لأن القياس فيه ظاهر، والله تعالى يقول: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر) البقرة/185، يعني فعليه عدّة من أيام أخر، ولم يقيّدها الله تعالى بالتتابع، ولو قيّدت بالتتابع للزم من ذلك الفورية، فدل هذا على أن الأمر فيه سعة .”

أحاديث وآيات عن فضل صيام العشر من ذي الحجة ويوم عرفة وعن الأجر الخاص الذي أعده الله سبحانه وتعالى للصائمين:

فضل صيام العشر من ذي الحجة ويوم عرفة:

1) ورد عن الألباني، عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ قلن: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة)

وبالتالي يستحب صيام التسع أيام الأولى من ذي الحجة

2) وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله ﷺ سُئل عن صوم يوم عرفة، فقال: (يُكفِّر السنة الماضية والباقية)

وهذا يدل على الفضل العظيم لصيام يوم عرفة

فضل صيام التطوع والأجر الذي يحصل عليه الصائم:

جعل الله سبحانه وتعالى أجر خاص للصائمين كما هو واضح في الأحاديث والأيات التالية:

1) عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الجنّة ثمانية أبواب، فيها باب يُسمى الريّان، لا يدخله إلا الصائمون.)  رواه البخاري، وزاد النسائي: (فإذا دخل آخرهم أُغلق، من دخل فيه شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً)

2) عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: (ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفًا.) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

3) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها)، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: (لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام) رواه الترمذي.

4) في سورة الأحزاب، قال تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما).

5) وفي سورة البقرة قال الله سبحانه وتعالى: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون).

6) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان) رواه أحمد.

7) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكّفرها الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر والنهي) متفق عليه.

8) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصيام جُنّة من النار، كجنّة أحدكم من القتال) رواه ابن ماجه.

معنى جُنَّة: يعني حماية

9) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عزوجل: كل عمل بن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه رواه البخاري ومسلم.

المصادر:

المصدر 1

المصدر 2

المصدر 3

سعداء جداً بزيارتك 😊 لا تنسى مشاركة ما قرات ليستفيد غيرك ✨

زر الذهاب إلى الأعلى